إذا كانت الابتكارات التي قدمها سيرج بولياكوف (Serge Poliakoff) في مجال الرسم الحديث متعددة — من تركيب صارم في التجريد، وترابط لا ينفصل بين الأشكال، وتناغم لوني أشبه بالأنشودة — فإن الأثر الذي خلّفه في جيله أعمق وأوسع. لا يمكن عرض أعمال بولياكوف دون الإحالة إلى جيل الرسامين الباريسيّين الذين عاصروه، وإلا ستكون قراءة منقوصة لإرثه الفني. لقد كان عالم بولياكوف عالمًا باريسيًا بامتياز: فهو الذي قال إنه “وُلد رسّامًا” في باريس، إلى جانب جيلٍ من الفنانين الذين دفعوا بالاتجاه التجريدي إلى آفاق غير مسبوقة.
لفهم سياق أعمال بولياكوف، لا بد من النظر إلى ازدهار الفن التجريدي في تلك الفترة. لقد أدرك معاصروه موهبته الفذة منذ بداياته، وكان لتجاربه الغنية، لا سيما لقاءاته مع فاسيلي كاندينسكي (Kandinsky)، وروبير وسونيا دولوني (Robert et Sonia Delaunay)، دور كبير في بلورة أسلوبه، وتعميق بحثه عن الانسجام والبساطة في اللون والشكل.
إلى جانبه، ظهرت أسماء بارزة من الجيل الباريسي نفسه، تركت بدورها أثرًا عميقًا في تطور الفن الحديث: هانس هارتونغ (Hans Hartung) بحركاته التعبيرية واستكشافه للإيقاع الحركي؛ ماريا هيلينا فييرا دا سيلفا (Vieira da Silva) التي أعادت تصور الفضاء التصويري من خلال متاهاتها اللونية؛ فرناند ليجيه (Fernand Léger) الذي أثرت رؤيته المعمارية للأشكال على اتجاهات أكثر تنظيمًا في التجريد؛ وأخيرًا نيكولا دو ستال (Nicolas de Staël) الذي زاوج بين التجريد والتصوير، مشتركًا مع بولياكوف في السعي إلى الكثافة اللونية والتعبيرية.
يشرّف معرض هيلين بايي (HELENE BAILLY) أن يعرض أعمالًا بارزة لبولياكوف، من بينها اللوحة التي اختيرت لملصق المعرض الاستعادي الكبير الذي نظمه متحف الفن الحديث في باريس عام 2013–2014، والتي تُعدّ شاهدًا على عبقريته في التعامل مع اللون ونظرته الفريدة إلى الشكل التجريدي. وتُعرض هذه الأعمال إلى جانب أعمال فنانين من الجيل نفسه الذين ساهموا في صرامة أبحاثه اللونية وابتكروا بدورهم أعمالًا ذات طابع طليعي.
تسلّط هذه المعرض الضوء على غنى جيلٍ فنيّ باريسيّ أعاد، وسط أجواء باريس المتّقدة، صياغة مفاهيم الفن الحديث وحدوده.