ألكسندر كالدر 1898-1976
يُعد ألكسندر كالدر من روّاد الحركة والتوازن في النحت، وهو سيّد لا يُنازع في فن النحت الحركي، إذ أحدث ثورة في الفن الحديث من خلال منحوتاته المتحرّكة والثابتة الشهيرة. يُعرض فنه حاليًا في معرض HELENE BAILLY، ويُعتبر من كبار فناني القرن العشرين، بفضل مقاربته المبتكرة للنحت المتحرك ولغته التجريدية النابضة بالحركة واللون. تتسم أعماله بالخفة والسلاسة وشاعرية هوائية جعلت منها مرجعًا لا غنى عنه في تاريخ الفن الحديث.
وُلد كالدر عام 1898 في ولاية بنسلفانيا، ونشأ في عائلة فنية. أظهر موهبة مبكرة في الميكانيكا وتصميم الأشكال ثلاثية الأبعاد، فتابع دراسته في الهندسة الميكانيكية بمعهد ستيفنز للتكنولوجيا في نيوجيرسي، وتخرج منه عام 1919.
وفي عام 1923، قرر التفرغ كليًا للفن، فالتحق بـ”رابطة طلاب الفنون” (Art Students League) في نيويورك، حيث درس الرسم والتصوير. في الوقت نفسه، بدأ حياته المهنية كرسام صحفي، واشتُهر برسوماته لعروض “سيرك رينغلينغ براذرز وبرنوم آند بيلي” التي نُشرت في مجلة National Police Gazette. هذا العالم الحركي والمثير أصبح مصدر إلهام رئيسي له ورافقه طيلة مسيرته الفنية.
عام 1926، انتقل إلى باريس واستقر في حي مونبارناس، حيث تابع دراسته في أكاديمية “لا غران شوميير”. وفي العام التالي، أحدث كالدر نقلة نوعية في الفن الأدائي عبر إنشاء “سيرك مصغر” يضم شخصيات مصنوعة من الأسلاك والخشب والقماش، كان يُحرّكها بنفسه في عروض تفاعلية أمام الجمهور. جذب هذا العمل أنظار فناني الطليعة، ومن بينهم خوان ميرو، جان أرب، ومارسيل دوشامب.
في عام 1930، وبعد زيارته المُلهمة لمرسم الفنان بيت موندريان، تخلى كالدر عن الأسلوب التصويري وشرع في تطوير لغة فنية تجريدية بالكامل. وفي العام التالي، انضم إلى مجموعة “تجريد-إبداع” (Abstraction-Création) إلى جانب موندريان، هانز أرب، روبرت ديلوني، وجان هيليون.
بفضل خلفيته الهندسية، ابتكر كالدر منحوتات حركية أطلق عليها دوشامب اسم “موبيل” (Mobiles). وعُرضت هذه الأعمال لأول مرة في “غاليري فينيون” بباريس عام 1932، وهي مؤلفة من قطع خشبية أو صفائح معدنية معلقة بأسلاك حديدية، تتحرك مع الرياح والجاذبية، في توازن دقيق وشاعرية حالمة. ورغم أن هذه الهياكل أصبحت أكثر تعقيدًا لاحقًا، فقد حافظت على ذلك الإحساس المميز بالخفة والحرية.
لم يقتصر إبداع كالدر على النحت فحسب، بل تنقّل بين مجالات متعددة، منها الرسم، التصميم الغرافيكي، تصميم الديكور المسرحي، توضيح الكتب، وصناعة المجوهرات. وقد كانت له بصمة واسعة في الفن الحديث والمعاصر، ولا تزال أعماله تُلهِم الفنانين والمهتمين بجماليات الحركة والفراغ حول العالم.
توفي ألكسندر كالدر عام 1976، تاركًا وراءه إرثًا فنيًا لا مثيل له في تاريخ الفن الحديث.